تعامل المسلمين مع أهل الكتاب | Moroccan Daily News

تعامل المسلمين مع أهل الكتاب

تعامل المسلمين مع أهل الكتاب
لقد أمر الإسلامُ أتباعَه بالمحافظة على كرامة غير المسلمين ومراعاة مشاعرهم، ونهى عن جَرْح عواطفهم؛ فقال الرب - عز وجل -: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: 46]، وقال - عز وجل -: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 108]، نهي صريح عن النيل من الآلهة التي يَعبُدها المشركون من الوثنيين والبوذيين، وكل هذا صونًا لكرامة الإنسان، وحِفاظًا على حريَّته، واحترامًا لمشاعره؛ يقول الإمام القرطبي عند تفسير هذه الآية الكريمة: لا يَحِل لمسلم أن يَسُب صُلبانهم، ولا دينهم، ولا كنائسهم، ولا يتعرَّض إلى ما يؤدِّي إلى ذلك؛ لأنه بمنزلة البعث على المعصية[13]، وحِفْظ الكرامة الإنسانية يتجلَّى لنا في التعامل النبوي مع غير المسلمين حتى مع الأموات منهم؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: مرَّ بنا جَنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقُمْنا به، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي؟! قال: ((إذا رأيتم الجنازةَ، فقوموا))[14]، وفي رواية: فقال صلى الله عليه وسلم: ((أليست نفسًا؟!))[15].

أصناف غير المسلمين في المجتمع الإسلامي:
الكفارإما أهل حرب، وإما أهل عهد، وأهل العَهْد ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هدنة، وأهل أمان، وقد عقد الفقهاءُ لكل صِنف بابًا، فقالوا: باب الهدنة، باب الأمان، باب عقد الذمة، ولفظ (الذمة والعهد) يتناول هؤلاء كلهم في الأصل، وكذلك لفظ (الصلح)، فإن الذمة من جِنس لفظ العَهْد والعقد، وهكذا لفظ (الصلح) عامٌّ في كل صلح، وهو يتناول صُلْح المسلمين بعضهم مع بعض، وصُلْحهم مع الكفار، ولكن صار في اصطلاح كثير من الفقهاء (أهل الذمة): عبارة عمن يؤدِّي الجزية، وهؤلاء لهم ذمة مؤبَّدة، وهؤلاء قد عاهَدوا المسلمين على أن يجري عليهم حُكْم الله ورسوله، إذ هم مقيمون في الدار التي يجري فيها حُكْم الله ورسوله، بخلاف أهل الهدنة، فإنهم صالَحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم، سواء كان الصُّلح على مال، أو غير مال، لا تجري عليهم أحكام الإسلام كما تجري على أهل الذمة، لكن عليهم الكفُّ عن محاربة المسلمين، وهؤلاء يُسمَّون أهل العهد، وأهل الصلح، وأهل الهدنة.

وأما المستأمَن، فهو الذي يَقدَم بلاد المسلمين من غير استيطانها، وهؤلاء أربعة أقسام: رسل، وتجار، ومستجيرون حتى يُعرَض عليهم الإسلام والقرآن، فإن شاؤوا دخلوا فيه، وإن شاؤوا رجعوا إلى بلادهم، وطالبو حاجة من زيارة، أو غيرها، وحُكْم هؤلاء ألا يُهاجِروا، ولا يُقتَلوا، ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يُعرَض على المستجير منهم الإسلامُ والقرآن، فإن دخل فيه فذاك، وإن أَحَب اللَّحاق بمأمنه أُلحِق به، ولم يُعرَض له قبل وصوله إليه، فإذا وصل مأمنه، عاد حربيًّا كما كان[16].

فغير المسلمين يَنقسِمون إلى أربعة أقسام:
1 - أهل الحربهو الكافر الذي بين المسلمين وبين دولته حالة حرب، ولا ذمة له ولا عهد، قال الشوكاني: "الحربي: الذي لا ذمة له ولا عهد"[17].

2 - أهل الذمةالكفار المقيمون تحت ذمة المسلمين بدفع الجزية؛ قال ابن القيم: "أجمع الفقهاء على أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن المجوس"[18]، وحُكْم أهل الذمة المعاهَدين الذين يُساكِنون المسلمين في ديارهم، ويدفعون الجزيةَ - أنهم يخضعون للأحكام الإسلاميَّة في غير ما أُقِرُّوا عليه من أحكام العقائد والعبادات، والزواج والطلاق، والمطعومات والملبوسات، ولهم على المسلمين الكفُّ عنهم وحمايتهم، قال ابن الأثير: "وسُمِّي أهل الذمة؛ لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم"[19].

3 - المعاهَدهو الكافر الذي بينه وبين المسلمين عهد مهادنة، قال ابن بطال: "والمعاهد: الذي بينه وبين الإمام عهد وهدنة"[20]، وإذا دخل ديارَ المسلمين سمِّي مُستأمَنًا.

4 - أهل الأمانالمستأمَن: هو الحربي المقيم إقامة مؤقَّتة في ديار المسلمين، قال الشيخ محمد بن عثيمين عندما سئل: البعضُ يتأوَّل في مسألة أهل الذمة بدعوى عدم وجود ولي الأمر العام أو الخلافة، أو لعدم وجود أهل الذمة أصلاً بدعاوى عديدة؛ ولذلك لا يَجِدون غضاضةً في دعوة الناس للاعتداء على غير المسلمين من المعاهَدين؟ فأجاب بقوله: أنا أُوافِق على أنه ليس عندنا أهل ذمة؛ لأن أهل الذمة هم الذين يخضعون لأحكام الإسلام، ويؤدُّون الجِزيةَ، وهذا مفقود منذ زمن طويل، لكن لدينا معاهَدون ومستأمَنون، ومعاهدون معاهدة عامة، ومعاهدة خاصة، فمن قَدِم إلى بلادنا من الكفار لعمل أو تِجارة، وسُمِح له بذلك، فهو: إما معاهَد أو مُستأمَن، فلا يجوز الاعتداء عليه؛ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن قتل معاهَدًا، لم يَرَح رائحة الجنة))، فنحن مسلمون مستسلمون لأمر الله - عز وجل - مُحترِمون لما اقتضى الإسلام احترامه من أهل العهد والأمان، فمَن أخلَّ بذلك فقد أساء للإسلام، وأظهره للناس بمظهر الإرهاب والغدر والخيانة، ومَن التزم أحكام الإسلام واحترم العهود والمواثيق، فهذا هو الذي يُرجى خيره وفلاحه"[21].

حق الحرية في الاعتقاد والعبادة لغير المسلمين:
من الحريات التي كفلها الإسلامُ في حقِّ غير المسلمين: حرية الاعتقاد والعبادة، لم يُجبِر الإسلامُ الناسَ ولم يُكرِههم على الدخول فيه، بل ترك الحبلَ على غاربهم، ووكَل الأمر إلى أنفسهم؛ فقال الرب - عز وجل -: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة: 256]، وامتثالاً لهذه الآية الكريمة دأب المسلمون على دعوة الناس إلى الإسلام وعَرْضه عليهم من دون إكراه وإجبار، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يَمُر بعجوز نصرانيَّة، ويَعرِض عليها الإسلامَ ويدعوها إليه قائلاً: أَسلِمي أيتها العجوز تسلمي، إن الله بعث محمدًا بالحق، قالت: أنا عجوز كبيرة والموت إليَّ قريب، فقال عمر رضي الله عنه: اللهم اشهد، وتلا قوله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة: 256]، يتحدَّث الأستاذ أحمد الحوفي في كتابه "سماحة الإسلام" عن هذه الحرية في الاعتقاد والعبادة التي أتاحها الإسلامُ لغير المسلمين في المجتمع المسلم، فيقول: "أما الحرية الدينية، فقد كفَلها الإسلامُ لأهل الكتاب، فهم أحرار في عقيدتهم وعبادتهم وإقامة شعائرهم في كنائسهم"[22].

وفي هذا المبدأ يتجلَّى تكريمُ الله للإنسان، واحترام إرادته وفِكْره ومشاعره، وترك أمره لنفسه فيما يَختصُّ بالهدى والضلال في الاعتقاد، وتحميله تَبَعة عمله وحساب نفسه، وهذه هي أخصُّ خصائص التحرُّر الإنساني، التحرر الذي تُنكِره على الإنسان في القرن العشرين مذاهبُ مُعتَسِفة، ونُظُم مُذِلَّة، لا تسمح لهذا الكائن الذي كرَّمه الله - باختياره لعقيدته - أن ينطوي ضميره على تَصوُّر للحياة ونُظُمها، غير ما تُمليه عليه الدولة بشتى أجهزتها التوجيهية، وما تُمليه عليه بعد ذلك بقوانينها وأوضاعها، فإما أن يَعتنِق مذهب الدولة هذا، وهو يحرمه من الإيمان بإله للكون يُصرِّف هذا الكونَ، وإما أن يتعرَّض للموت بشتى الوسائل والأسباب! إن حرية الاعتقاد هي أول حقوق الإنسان التي يَثْبت له بها وصف إنسان، فالذي يَسلُب إنسانًا حرية الاعتقاد، إنما يَسلُبه إنسانيَّته ابتداء، ومع حرية الاعتقاد حرية الدعوة للعقيدة، والأمن من الأذى والفتنة، وإلا فهي حرية بالاسم لا مدلول لها في واقع الحياة.

والإسلام - وهو أرقى تصوُّر للوجود وللحياة، وأقوم منهج للمجتمع الإنساني بلا مِراء - هو الذي ينادي بأن لا إكراه في الدين، وهو الذي يُبيِّن لأصحابه قبل سواهم أنهم ممنوعون من إكراه الناس على هذا الدين[23]، وتاريخ الإسلام الطويل شاهد على أن الشريعة وأهلها قد كفَلوا لأتباع الأديان الذين يعيشون في ظلِّ الإسلام البقاءَ على عقائدهم ودياناتهم، ولم يُرغَم أحد على اعتناق الإسلام، ومعلوم لدى القاصي والداني أن هذا لم يكن موقف ضَعْف من دولة الإسلام، بل كان هذا هو مبدأها، حتى حين كانت في أَوْج قوتها أُمَّة فتيَّة قادرة، ولو أرادت أن تَفرِض على الأفراد عقيدتَها بالقوة القاهرة، لكان ذلك في مقدورها، لكنها لم تفعل[24]، وهناك شهادات من العلماء غير المسلمين ممن يُوثَق بهم أن الإسلام ترك لغير المسلمين حريَّة المعتقد، تقول المستشرقة الإيطالية لورا فيشيا فاغليري في كتابها "دفاع عن الإسلام": "كان المسلمون لا يكادون يَعقِدون الاتفاقات مع الشعوب حتى يتركوا لها حريَّة المعتقد، وحتى يُحجِموا عن إكراه أحد من أبنائها على الدخول في الدين الجديد، والجيوش الإسلامية ما كانت تُتْبع بحشد من المبشرين اللحاحين غير المرغوب فيهم، وما كانت تضع المبشرين في مراكز محاطة بضروب الامتياز لكي ينشروا عقيدتهم، أو يدافعوا عنها، ليس هذا فحسب، بل لقد فرض المسلمون في فترة من الفترات على كل راغب في الدخول في الإسلام أن يَسلُك مسلكًا لا يساعد من غير ريب على تيسير انتشار الإسلام؛ ذلك أنهم طلبوا إلى الراغبين في اعتناق الدين الجديد أن يَمثُلوا أمام القاضي، ويُعلِنوا أن إسلامهم لم يكن نتيجة لأي ضغط، وأنهم لا يهدفون من وراء ذلك إلى كَسْب دنيوي"[25]، لقد كفَل الإسلامُ لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي حرية المعتقد وحرية العبادة، وحماية معابدهم وصوامعهم وبِيَعهم، وجعل هذا من أسباب الإذن للمسلمين في القتال: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج: 39، 40].

وإن الإسلام لم يَقُم على اضطهاد مُخالفيه، أو مصادرة حقوقهم، أو تحويلهم بالكُرْه عن عقائدهم، أو المساس الجائر لأموالهم وأعراضهم ودمائهم، وتاريخ الإسلام في هذا المجال أنصع تاريخ على وجه الأرض[26].

ومن المقرَّر عند الفقهاء أنه لو أُكرِه أحد على الإسلام، فإنه لا يَصِح إسلامه، قال في المغني: "وإذا أُكرِه على الإسلام من لا يجوز إكراهه كالذمي والمستأمن، فأسلم، لم يَثبُت له حُكْم الإسلام، حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعًا"[27]، يترك الإسلام لغير المسلم حرية ممارسة العبادات التي تتَّفِق مع عقيدته، ثم يأمر بالمحافظة على بيوت العبادة التي يُمارس فيها شعائره، ويحرم على المسلمين الاعتداء على بيوت العبادة أو هدْمها أو تخريبها، أو الاعتداء على القائمين فيها، سواء في حالتَي السِّلم والحرب، والوثائق التاريخية كثيرة في وصية الخلفاء لقادة الجيوش، وفي المعاهدات التي أُبرِمت في التاريخ الإسلامي، وعند الفتوحات، ومنها الوثيقة العمرية مع أهل بيت المقدس، والدليل المادي الملموس شاهد على ذلك ببقاء أماكن العبادة التاريخية القديمة لليهود والنصارى وغيرهم في معظم ديار الإسلام والمسلمين[28].




About hicham

I’m a Pro Blogger. Having my 3+ website. I got engineering degree in computer science engineering. But, I am more appreciated to online business. Now, I ‘m full time blogger and enjoying my journey as well. I started my online carrier since 2018, April. After, research more I got the blogging. Now, I working on Google Ads Network and Affiliate Marketing also.

0 Comments :

Post a Comment