قراءات نقدية
مكون الشخصية في رواية "الحي اللاتيني" لسهيل إدريس: (فصل تطبيقي)
- لحسن الكيري
توطئة: قبل أن نلج عالم الشخصيات، لا بأس أن نقدم إطلالة سريعة نتوخى من خلالها وصف شكل ومضمون هذا المتن الروائي الذي نشتغل عليه أي "الحي اللاتيني" لسهيل إدريس.
كما هو معلوم فرواية "الحي اللاتيني" تتكون من ثلاثة أقسام. وكل قسم يطلعنا على جوانب محددة من المسار التعليمي والعاطفي للبطل، وعلى الصدمة النفسية التي أصيب بها وعمقت لديه الإحساس بهول المفارقة بين حياته الماضية وحياته الجديدة.
القسم الأول:
لقد ركز السارد هنا على الخيبات المتتالية التي انتابت الشخصية الرئيسية إثر احتكاكها بالحياة الجديدة؛ فهي عجزت على عكس أصدقائها، عن إقامة علاقة مع فتاة غريبة تبادلها الإحساس نفسه، وتسعفها على استرجاع الثقة بنفسها ومسايرة إيقاع الحياة الجديدة. يعي هذا الطالب العربي بأن المدخل الحقيقي لفهم الواقع الباريسي والاستمتاع بمباهجه هو المرأة الغربية. وبما أنه فشل في مسعاه لمدة ثلاثة أسابيع، فقد ازداد حزنا وأسى وعزلة. ولما كان يشاهد أحد أصدقائه مرفقا بفتاة غريبة كانت الدنيا تظلم أمام عينيه، فيلوم ذاته على قلة جرأته وتجربته ويشعر بنقص "ورثه "لاوعيه" من غريزة راسية في أعماقه"1 ص (65). يدرك أنه يمر بمخاض عسير يمتحن إحساساته وقدراته ومداركه، وبأنه مدعو إلى اجتياز هذا الامتحان حتى يتمكن من الانخراط في الحياة الجديدة. وينتهي القسم الأول بتعرفه على فتاة فرنسية "جانين مونتيرو" معلقا عليها آمالا عراضا لإنقاذه من العزلة القاتلة، ونسيان إخفاقاته التي تجرعها من جراء علاقاته العاطفية العابرة بفتيات فرنسيات (الفتاة التي تعرف عليها في سينما البانتيون وليليان ومارغاريت).
القسم الثاني:
توطدت العلاقة بين الطرفين (جانين والشخصية الرئيسة) إلى حد أصبح كل واحد منهما يعتبر نفسه جزءا من الآخر. كانت جانين تلازم حبيبها في ارتياد المطاعم والمسارح وضفة نهر السين. ولما سمح لها بزيارة خالتها لقضاء عطلة الميلاد، شعر بثقل غيابها وبعزلة تحفه من كل جانب. ومع مرور الأيام، أثارت معه موضوع الزواج لمعرفة مصيرها معه، ولكونها، انطلاقا مما ترسخ في ذهنها من أفكار مسبقة، تتخوف من أن يتخلى عنها في آخر المطاف. لكنه تحت ضغط مواضعات اجتماعية وثقافية لم يعمل إلا على مداراتها ومخاتلتها تجنبا لإثارة غيظها وحنقها. لم تأت لتوديعه في محطة "ليون" لكونها لا تستسيغ أن ترى القطار يتحرك به نحو الشرق البعيد. وينتهي القسم الثاني بعودته إلى موطنه الأصلي لقضاء عطلة فصل الصيف مع أسرته.
القسم الثالث:
لما عاد إلى منزله شعر، للوهلة الأولى، أن غرفته أصبحت أكثر ضيقا مما كان يتوقعه، ولا تتسع لاستيعاب آماله وأحلامه الجديدة. قضى خمسة أسابيع متنقلا بين بيروت وضواحيها لعله يسترجع الطمأنينة وتوازنه. وبينما كان يستجم رفقة أخته هدى في مصيف جبلي، فوجئ بمخابرة هاتفية من أمه تدعوه إلى العودة فورا إلى بيروت. أطلعته على رسالة جانين التي تخبره فيها بحملها، وتطلب منه أن يساعدها على اتخاذ قرار حاسم. فإما تلد الجنين الذي هو ثمرة حبهما وإما أن تقدم على جميع التضحيات والمخاطر. وهي في كلتا الحالتين لا تنتظر منه إلا إشارة. "ولكني أنتظر منك إشارة لأنني لا أملك وحدي أن أتخذ قرارا ما. فماذا أفعل يا حبيبي؟ لماذا أنت بعيد عني هذا البعد كله" ص (214). لكنه تنصل من المسؤولية مدعيا أن حملها ناجم عن علاقتها غير الطاهرة مع أصدقاء آخرين. وبمجرد أن توصل برسالة من صديقه فؤاد يعاتبه على موقفه المتخاذل، قرر العودة إلى باريس. ظل لمدة طويلة، يبحث عن جانين التي اختفت عن الأنظار بعد إجهاضها الجنين. ولما التقى بها من جديد في كهف "بيرغولا" في حي "سان جرمان دي ديبريه" وهي في حالة يرثى لها، صارحها بالزواج، وطلب منها أن ترافقه إلى لبنان. لكنها تختفي عن أنظاره من جديد مؤثرة الانسحاب من حياته، ثم يعود إلى وطنه بعد أن حصل على شهادة دكتوراه الأدب في موضوع الشعر العربي الحديث، وبعدما أدرك أن المرأة الغربية أورثته جراحا لا يمكن أن تلتئم إلا بمعاودة مساءلة ذاته وإزاحة الأجوبة المفتعلة. ويمكن أن نختزل المتواليات الحكائية لهذه الرواية في البنية التالية:
تمهيد:
- إقلاع الباخرة التي أقلت الشاب العربي إلى باريس.
القسم الأول:
- الوصول إلى باريس.
- قضاء أول سهرة في مقهى" ديبون".
- الاستجابة لدعوة كامل لحضور حفل ساهر في منزله.
- تعرفه على جانين بعد إخفاقات عاطفية متتالية.
القسم الثاني:
- توطد علاقته بجانب واستعادته الثقة بنفسه.
- شعوره بالفراغ المهول لما غادرته جانين لزيارة خالتها.
- ممارسته للقمار في البيت اللبناني.
- تعرض جانين للإرهاق نتيجة المواءمة بين العمل نهارا ومراجعة دروسها ليلا.
- عودة الشاب العربي إلى بيروت لقضاء فصل الصيف.
- اختلاؤه بناهدة ومداراة طلباتها تجنبا لإثارة غيظها وحنقها.
- توصله برسالة من جانين تخبره بحملها وتدعوه إلى مساعدتها على اتخاذ القرار المناسب.
- تنصله من المسؤولية بدعوى أن الجنين ثمرة لعلاقات غير طاهرة.
- رغبته في الهرب من أمه تفاديا لأوامرها.
- العودة إلى باريس بعد توصله برسالة من صديقه الحميم فؤاد يعاتبه فيها.
القسم الثالث:
- البحث عن جانين والعثور عليها في كهف "برغولا".
- معاينة الحالة المأساوية التي آلت إليها حياة جانين.
- حصوله على الدكتوراه واحتفاء أصدقائه به.
- اضطلاعه صحبة فؤاد بتكوين رابطة تجمع شمل الطلبة العرب في باريس وتحث على النضال القومي.
- مصارحة جانين بالزواج ومطالبتها بمرافقته إلى موطنه الأصلي.
- اختفاؤها عن الأنظار ثانية مؤثرة الانسحاب نهائيا من مسرح حياته.
الخاتمة:
- استقبال الأصدقاء والأقارب الشاب العربي العائد من باريس.
تتجمع أحداث الرواية، رغم تشعبها واختلاف مواضيعها، على رهان أساسي يتمثل في تشخيص التباين الحضاري بين الشرق والغرب؛ ولذلك نجد السارد قد راهن على امتحان قدرة الشاب الشرقي الغر "وهو في الخامسة والعشرين من عمره" على استيعاب صدمة الحضارة الغربية والانسلاخ عن التقاليد الشرقية. فهل تم ذلك فعلا؟.
فإلى جانب أنه كرس حيزا من الزمن لإنجاز رسالته عن الشعر العربي الحديث فهو قضى أوقات طويلة يترصد المرأة الغربية بحثا عن التخلص من الحرمان والكبت؛ فبمجرد أن أقلعت الباخرة التي أقلته إلى فرنسا، انفلت من بين أصابعه المنديل الذي كان يودع به أصدقائه وأقاربه وبقدر ما كان يرى المنديل يضيع بين الأمواج الهوج، كان يشعر بأن ماضيه قد سقط عن كاهله ليعتريه النسيان إلى الأبد. كان يتوخى من قدومه إلى باريس أن ينسى حداثته وماضيه ويستلهم حياة جديدة. لقد كلفته هذه الحياة ماديا ومعنويا ولم تزده مع مر الأيام، إلا تشبثا بالتقاليد الشرقية وإن تحرر منها ظاهريا، ووعيا بهويته الحضارية وبضرورة الانخراط في النضال القومي. لقد عاش فترة من الزمن حائرا وضائعا. لكن بمجرد أن توطدت علاقته بفؤاد أصبح يبحث عن هويته من خلال استحضار صورة أمه ونصائحها وعقد مقارنات بين المرأة الشرقية والمرأة الغربية، واستشراف آفاق الصراع الذي سيعيشه في بلاده. وهذا ما جعله يداري جانين لما سألته عن مستقبلهما، فهو لا يرى فيها إلا متعة عابرة رغم مستواها التعليمي وسمو أخلاقها وذوقها الفني الرفيع؛ وإن حاول التخلص من التقاليد الشرقية فهو ظل أسيرا لها في تصرفاته ومواقفه من الوجود. ولا يمكن أن يفهم هذا الموقف إلا بموازاته مع تنامي المد القومي لدى الطلبة العرب في باريس. وهو ما نجم عنه تكوين رابطة توقظ النزعات الكامنة في أعماقهم وتشعرهم بمقوماتهم القومية التي تميزهم عن الغربيين.
1- جرد الشخصيات:
1- الشخصيات الآدمية:
تعج رواية "الحي اللاتيني" بشخصيات عديدة، لكنها لا تتخذ كلها نفس الأهمية إذ تتفاوت في نسبة صياغتها للأحداث، ولا دخل لدرجة حضورها في ذلك. "ذلك أنه مقياس ليس كافيا دائما، فقد تقل درجة حضور شخصية ما، لكن نسبة ظهورها في النص مهما كانت قليلة تكون كافية لاعتبارها رئيسة من حيث دورها وأهميتها في تصعيد دينامية النص"(2 ). من هذا المنطلق، وعلى هذا الأساس نبدأ بجرد الشخصيات معتمدين على مقياس أثرها وفاعليتها.
أ- الشخصيات الرئيسة:
البطل: طالب عربي في الخامس والعشرين من عمره مجرد من الاسم. جاء إلى باريس لتحضير شهادة الدكتوراه في الأدب العربي. لم يكن جميلا لكن سمرته كانت تكسبه طابعا من الرجولة لا تقابله المرأة باللامبالاة. وبما أنه كان ينظم الشعر فإن أصدقاءه، من باب المجاملة والمزح، ينادونه بالشاعر. على أنه أيقن لما زار صحبة جانين مانترو متحف "رودان الدائم" أن الذوق الفني إنما يكتسب بالعلم والممارسة والصبر. ربط علاقة مع جانين مانترو التي تختلف جذريا عن الفتيات اللواتي سبق له أن تعرف عليهن لتميزها بصفات روحية ونقاء طويتها. ومن خلال سيرورة الأحداث يتبين أن أباه قد مات، وأن أسرته تتكون من الأم وأخوين كبيرين يمتلكان متجرا، وأخيه وأخته الأصغرين اللذين يتابعان دراستهما ونجحا في الامتحان، وأخته الوسطى التي اقتربت خطبتها من شاب ينتمي إلى أسرة محترمة. يبئر السارد وجهة نظره على أخته هدى التي تصغره بأربع سنوات. رافقته إلى قرية "ميروبا" الجميلة بحثا عن الراحة بعد أن ضاقت به الدنيا "وأصبح غريبا لا يحس الأنس والقربى" ص 209. فهو يعتقد أنها تحبه وتفهمه، واضطر إلى مصارحتها بحبه لجانين لعلها تشفق على حاله وتقدم له النصح المناسب. عانت الأسرة الأمرين من إرسال الحوالات إليه بباريس حتى يتمكن من مواجهة تكاليف الحياة وصروفها. وخاصة بعد أن أصبح أخواه الكبيران يعانيان من ضيق مالي أثر على حياة الأسرة وتطلعاتها. "شعر ببعض الانقباض للتأخر الذي يصاب به متجر أخويه الكبيرين. قرأ على قسمات أمه الأسى لذلك، وسمعها تتحدث عن الضيق الذي يعانونه منذ أشهر، وتعبر عن حزنها من أنهم لم يتمكنوا هذا العام من ارتياد المصيف على مألوف عادتهم" ص (192).
جانين مانترو: فتاة باهرة وساحرة ورشيقة، لامعة ذكاء وحسنا وبصيرة وذات ثقافة فنية رفيعة تتابع دراستها في معهد الصحافة العالي. وبما أنها تنتمي إلى أسرة متواضعة فقد اضطرت إلى العمل بمخزن "البرانتان" وذلك لتوفير مصاريف الدراسة الباهظة وقد بان الإجهاد على جسدها لكنها أصرت على المواءمة بين عملها الشاق بالمخزن واستدراك ما فاتها من محاضرات المعهد حتى تحقق حلمها الذي يتمثل في الالتحاق بإحدى الصحف الأسبوعية في مطلع العام القادم. لكن نتيجة الصدمة التي تلقتها من حبيبها العربي انحط وجودها إلى الدرك الأسفل. لقد كان من الممكن أن يأتي في الموعد ليمسك بها قبل أن تسقط في الهاوية. ومن خلال مذكراتها يتضح أنها عاشت فترة عصيبة نتيجة مرضها ونحولها فاضطرت إلى بيع كتبها وساعتها وحليتها حتى تتمكن من سد رمقها. وبعد أن أصبحت فتاة ضائعة رغم أنفها لم تجد بدا من أن تستسلم لأي عابر يمد لها مبلغا لتقتات به. ورغم خصاصتها فهي لم ترغب في بيع تمثال الأعرابيين عربونا على حبها للحبيب العربي. لقد أخفقت في مشروع زواجها بهنري إلى أن تزعزعت ثقتها بالرجل. ورغم إلحاح هنري على إعادة المياه إلى مجاريها أصرت جانين على مجافاته. وكانت تأمل من خلال علاقتها بالرجل الشرقي أن تسترجع ثقتها بنفسها وتبادله الحب الصحيح وتكون أسيرة قيوده. لكن ثقتها العمياء والمطلقة به لم تجن منها إلا صدمة نفسية قلبت حياتها رأسا على عقب. وإن كانت تنعت أصدقاء حبيبها باللطف والمؤانسة فهي تسم كل واحد منهم بميسم خاص. لم تحب في صبحي طابع الاستهتار. وتحسب أن عدنان لا يخلو من عصبية دينية، أما ربيع فينقصه الاعتدال في آرائه المتطرفة. ولم تتسرع في الحكم على فؤاد لأن شخصيته تدعو إلى التأمل، ومع ذلك تعتقد بأنها شديدة الغنى بإمكاناتها.
صبحي: طالب سوري قدم إلى باريس لنيل دكتوراه في الحقوق. تعرفت عليه الشخصية الرئيسية على ظهر الباخرة، وتقاسما الغرفة نفسها في فندق "كلود برنار" قبل أن تراودهما فكرة الانفصال عن بعضهما البعض ليعيش كل واحد منهما حياته الجديدة على هواه. استقرا في فندقين متواضعين متجاورين لقربهما من السوربون وكلية الحقوق. اختارت الشخصية الرئيسة الاستقرار في غرفة من الطابق السادس لفندق "ليغران زوم"، في حين فضل صبحي أن يقطن في غرفة بالطابق الثالث لفندق "البانتيون". يطغى عليه طابع الاستهتار بالحياة، ويفتخر بكونه زير النساء الغربيات. له صديقة في معهد الحقوق، فتاة فارعة القامة، سوداء الشعر، مستطيلة الوجه، قسماتها تشع ذكاء وجمالا. اضطر إلى قضاء فترة الصيف في "الكوت دازور" بدلا من العودة إلى دمشق، وذلك لمراجعة المادة التي لم يفز بها.
عدنان: جاء بدوره إلى باريس لتهيئ دكتوراه في الحقوق. تعرفت عليه الشخصية الرئيسة أيضا في الباخرة التي أقلتهما إلى فرنسا، وأقام فترة من الزمن في فندق "كلود برنار". ثم اكترى غرفة في منزل يوجد بضاحية "فانسين" لكونه شعر للوهلة الأولى بصميميته. تبدو شخصية عدنان متناقضة لكونها تشرب الخمر وتتحفظ من شربه لاعتبارات صحية. وترافق زمرة من الأصدقاء الذين يدمنون الخمر وتدعي بأنها تقوم بالشعائر الدينية (الصوم والصلاة). ينعته أصدقاؤه بالشيخ. أما جانين فتنعته بالشخصية التي لا تخلو من عصبية دينية. وبعد أن نال عدنان تهنئة الممتحنين ذهب صحبة صبحي إلى "الكوت دازور" للاستجمام. دافع عدنان عن الانقلاب الأول الذي حصل في سوريا. ويرى بأنه ضروري في هذه الفترة التي تحتاج فيها الأمة العربية إلى "مستبد عادل" يصلح ما فسد.
فؤاد: طالب سوري يدرس بمعهد اللغات الشرقية. كان له تأثير كبير على الشخصية الرئيسة. فهو بالنسبة لها يعتبر المثل الأعلى. وترى بأنه معصوم من الوقوع في الحب نظرا للهالة التي أضفتها عليه. وهو الذي أوحى لها بعد الفراغ من مشاهدة تمثيلية "العادلون" بتكوين رابطة تلم شمل الطلبة العرب المقيمين في باريس. وكان له الفضل في صياغة دستور هاته الرابطة، وإرساء دعاماتها واستضافة المحاضرين لتأطير المنخرطين. وتتميز شخصية فؤاد بغناها الشديد وإمكاناتها المتنوعة ونبلها ورفعتها الإنسانية. ويتمتع بحس قومي مرهف، ويدعو الطلبة العرب، بعد عودتهم إلى بلدانهم إلى الانخراط في الحزب الذي يعبر عن نزعاتهم وأمانيهم القومية. تخلى عن صديقته فرنسواز بعد نزاع دار حول السياسة الفرنسية في شمال إفريقيا. وفي هذا الصدد يؤثر الزواج بامرأة عربية تكون فعلا رفيقة حياته وتعينه على مواجهة القضايا القومية. عاد إلى موطنه إثر تلقيه برقية من أهل تنعي أباه وتطلب حضوره على الفور. قدم في معهد اللغات الشرقية شهادتين من شهادة الإجازة. نجح في شهادة الترجمة ولم يسعفه الحظ في شهادة فقه اللغة. ويظل أمامه عمل شاق للحصول على الشهادات الأخرى. ومع ذلك لن يكره باريس ولو قضى فيها عمره كله. ومع ذلك يلح على ضرورة الرجوع إلى الوطن للمشاركة في النضال القومي.
فرنسواز: أمينة إحدى المكتبات في باريس، فتاة على قدر كبير من جمال الوجه وجاذبية الجنس. صارحها فؤاد بأن علاقتهما لن تفضي إلى الزواج. وقد اضطرا للانفصال نظرا لدعمها سياسة القمع والإرهاب التي تنهجها الحكومة الفرنسية في شمال إفريقيا.
الأم: ذات وجه صغير، متجعد وهادئ، محنك ورصين، تلم باللغة الفرنسية وهذا ما أهلها للاضطلاع على البطاقات التي كانت ترسلها جانين إلى ابنها، فتنهاه عن الزواج بالفتاة الغربية لكونها مسيحية ومتحررة وتحثه على الزواج بناهدة. ولما علمت بحمل جانين صبت جام غضبها على ابنها. استغلت ضعفه أمامها وخوفه منها لتملي عليه القرار الذي ينبغي له أن يبلغه إلى جانين. ولكن بعد تفكير في الأمر بروية، فضل أن يهرب منها حتى يتحرر من عبوديته وانقياده لها. ولما جاءته رسالة فؤاد عمقت لديه الإحساس نفسه بحيث كانت بالنسبة له بمثابة صفعة السوط لضميره المستيقظ.
ناهدة: فتاة لبنانية حصلت على شهادة الباكلوريا، ومنعتها أسرتها من متابعة دراساتها العليا. ستكون عما قريب من نصيب "ابن الحلال" (البطل). استاءت أسرته وأسرة الفتاة لما علمتا بأنه سيمضي سنتين في باريس لإتمام رسالته. عاوده الحنين إليها مرات عديدة في قلب باريس. وهو يرى أن علاقته بها مبهمة وغامضة وإن كان يتلهف للقائها في دفء غامر. لم تصرفه حياته الجديدة عن طي صفحتها نهائيا. فهو لا يعتبر تجربته معها تافهة وإنما "بريئة ونقية". ولهذا ينعتها بالساذجة والمسكينة. ولما عاد إلى منبت نبعه، واختلى بها تبين له أنها تمثل صورة الفتاة الشرقية في أي مكان من أرجاء الوطن العربي الكبير. لم تكن هذه الصورة جديدة تتكشف له. إنه يعرفها منذ أن غادر وطنه إلى باريس. ولكنها الآن تبدو له في ذروة تكشفها وغاية انحسارها: "لقد رأى الفتاة الشرقية، الفتاة العربية، تتراجع أمام الشاب العربي، أي شاب، عربيا كان أم أجنبيا، أمام الرجل وعيناها طافحتان بالخوف منه، رواسب من الخوف تجمعت أجيالا في هذه الخطوة". ص (197). عاتبته على عدم مراسلتها فداراها في جوابه متذرعا بكثرة انشغالاته. تذكر أن أمه وعدتها بهدية منه، فاقترح عليها أن تأخذ كتابا من الكتب التي حملها معه. ونظرا لضيق الوقت فضلت أن تنسحب بعد أن ينتخب لها واحدا منها.
ب- الشخصيات الثانوية:
ربيع التونسي: طالب تونسي متخصص في التاريخ. له علاقة مع سيمون. تعرفت عليه الشخصية الرئيسة لما استدعيت لأول حفل بمنزل كامل. لقد ساعدها على تجاوز الخجل لمراقصة زينة. ألقت الشرطة الفرنسية القبض عليه وأوسعته ضربا إثر مشاركته في المظاهرة التي قام بها طلاب إفريقيا الشمالية احتجاجا على سياسة التعسف التي تخضع بها فرنسا أوطانهم. وبعد أن أفرج عنه أعيد إلى تونس وظل محجوزا فيها، وحظر عليه الدخول إلى فرنسا.
أحمد العراقي: طالب عراقي يتابع دراساته في كلية الطب. غادرته صديقته الفرنسية لتربط علاقة مع زنجي. وفيما بعد وطد علاقة مع إفيت. أرشد أحمد الشخصية الرئيسة إلى كهف "برغولا" الذي أصبحت تتردد عليه جانين بعد اختفائها عن الأنظار. لما رأى الهراوات تنهال على صديقه التونسي من شرفة الفندق الذي يسكنه مع بعض رفاقه العراقيين، نزل السلم بسرعة مجنونة لإنقاذه: "ولولا أن لحق به أحد رفاقه وأمسكه دون الخروج لأصيب هو أيضا بهروات الشرطة، بل ولسيق إلى السجن" ص (206). نجح في امتحان السنة الخامسة بكلية الطب، ثم ذهب إلى إسبانيا لقضاء عطلته بها.
تيريزا: تعمل خادمة في فندق "ليغران زوم"، تبلغ من العمر ستا وأربعين سنة، أرملة فقدت زوجها في الحرب العالمية الثانية. تعيل أولادها الأربعة والذين لا يتجاوز أكبرهم الثانية عشر سنة. لم تتعلم في حياتها من الناس إلا اللطف من أجل أن ترده إليهم مضاعفا. ربط معها البطل علاقة ود ومجاملة، وأنس إليها، وكان يجد راحة في محادثتها واستفسارها عن انطباعاتها حول جانين. ولما اشتدت حاجته إلى المال اقترض منها مبلغا ماليا بعد تردد. سلمته له واعدة إياه بأن تعيره مثله في مطلع الأسبوع القادم. "ولكن لا تنس أنني عاتبة عليك. إنك لم تكن لطيفا أبدا حين احتجت إلى المساعدة وترددت في طلبها" ص (206).
عينة من الشباب العربي المتحرر: وندرج ضمنهم كامل وزهير وأسعد ونصري. فهم قد ألقوا الرصانة التي كانت ترهق أكتافهم في بيروت ليعيشوا في باريس حياة منطلقة لا يحد حريتها قيد؛ ونضيف إليهم سامي الذي جاء إلى باريس في زيارة خاطفة، فبادر إلى الاتصال بالشخصية الرئيسة التي كانت تلتقي به في مقهى "الروشة" ببيروت لتبادل وجهات نظرهما حول قصائدهما وانتقاد شعر الآخرين. وبعد أن عرف سامي صديقه على "ليليان" طلب منه أن يبرز براعته في اجتذابها إليه والظفر بها لما يعود إلى لبنان. فهذه الشخصيات على تباين مشاربها تعتبر قدوة للشخصية الرئيسة إن هي أرادت أن تنسجم مع الحياة الباريسية، وتتساوق مع جوها المفعم بالصخب والمرح.
عينة من الفتيات العابرات: تعرف البطل على فتاة في سينما "البانتيون" وتجرأ على ملامسة جسدها والاحتكاك بها ودس في يدها ورقة يوعدها فيها على اللقاء أمام السينما في الغد. لكنها لم تأت موجهة ضربة موجعة للشاب العربي الذي عانى من الحرمان والكبت. لما غادره سامي تركه مع صديقته "ليليان". وبذل البطل كل ما في وسعه لإرضائها وكسب مودتها ولما قادها إلى غرفته بفندق "كلود برناد" لم يفطن لحيلها وخداعها إلا بعد فوات الأوان. فهي انتحلت قصيدة "فطور الصباح" للشاعر الفرنسي "جاك بريفير" مدعية أنها شاعرة موهوبة. ثم سرقت مبلغا ماليا من محفظته. وفي هذا الصدد قال له صديقه صبحي: "على أية حال... إن من يسرق شعر رجل مثل جاك بريفير لن يتورع عن سرقة مال رجل مثلك" ص (59).
التقى مع فتاة اسمها مارغريت في باحة الفندق مصادفة. واستقدمها إلى غرفته دون ممانعة. لكن لما أشبع رغبته بسرعة مفجرا مكبوتاته التي تراكمت مع مر "السنين، واجهته بهذه العابرة الصادمة" كلكم هكذا أنتم الرجال .. أنانية قذرة". وطلبت منه الابتعاد عنها دون أن يدرك مغزى مجافاتها له. "لم تكن مارغريت بائعة لذة بل طالبة لذة. وأغلب الظن أنها تخيلت أنها واجدة لدى الفتى الشرقي ما لم تجده لدى فتيان الغرب. ولكن في اللحظة التي خيل فيها إلى الفتى الشرقي أن "اللقاء الأعظم" قد تحقق وأنه قد وهبها زهرة رجولته، عندها رأى أنها "تسارع بالنهوض ثائرة الأعصاب متقلصة القسمات، تتمتم كلمات لا تبين، ولا تنم إلا عن غضب مكبوت".
عينة من المناضلين القوميين: عرف فؤاد صديقه الطالب اللبناني على فئة من مواطنيه الذين كانت لهم خدمات مشهودة في حقل التعليم. أتوا إلى العاصمة الفرنسية لاستكمال التخصص العالي في الفلسفة والأدب. وقد أسهمت هذه الفئة الواعية في رسم خطوط واضحة في التوجيه الوطني والقومي، وإلقاء محاضرات لتأطير المنخرطين في الرابطة وشحذ إرادتهم وهمهم. "فإذا هي محاضرات قومية واجتماعية تتناول قضاياهم الماسة وتعالجها في كثير من المنطق والعلم والإخلاص أيضا" ص (236).
2- الشخصيات غير الآدمية:
كما أسلفنا الذكر، في الفصل النظري، فإن القوى الفاعلة في الخطاب الروائي لا تنحصر فقط في الكائنات الآدمية كما يوحي بذلك مصطلح "الشخصيات". بل إنها تشمل كل ذات منخرطة في الفعل داخل العمل السردي سواء أكانت هذه الذات آدمية أم غير آدمية، كأن تكون حيوانا أو جمادا أو أفكارا أو قيما... وعليه، فانطلاقا من هذا التصور، نجمل مختلف القوى الفاعلة غير الآدمية في رواية "الحي اللاتيني" وفق ما يلي:
*القيم والأفكار والمشاعر: الحرية – الحب – اللامبالاة – الإنسانية – الوجودية – الحرمان – الكآبة – القنوط – الكبت – القومية – التكافل – النضال.
*الجمادات: تمثال الأعرابيين- نهر السين- فندق "ليغران زوم"- الحي اللاتيني — بيروت.
*المؤسسات: السوربون- المسرح- المقاهي – المتحف.
*الوقائع: الانقلاب العسكري في سوريا- سياسية القمع الاستعمارية في شمال إفريقيا - نكبة فلسطين.
يلاحظ أن هذه القوى الفاعلة غير الآدمية قد لعبت هي الأخرى دورا كبيرا في الدفع بعجلة السرد وتغيير أو تعديل مواقف البطل في غير ما مرة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يعتبر كل من الحرمان والكبت والكآبة كمشاعر، محفزا ودافعا لانتقال البطل من الشرق المتزمت إلى الغرب (باريس) المتحرر. كما ساهمت فكرة القومية في جعل البطل وفؤاد ينتصران للشرق رغم تزمته ضد الغرب، رغم تفتحه.
2- ديناميتها ومنزلتها:
يستدعي استخلاص البنية العاملية للرواية برمتها إعادة توزيع الشخصيات كقوى فاعلة وفق العلاقات التالية.
أ- علاقة الرغبة:
تربط هذه العلاقة بين من يرغب (الذات) وما هو مرغوب فيه (الموضوع القيمي). على المستوى السطحي يتضح أن الشخصية الرئيسة قد قدمت إلى باريس لمتابعة دراستها العليا. أما على المستوى العميق فيتبين أن هناك عوامل نفسية أقنعتها بمغادرة وطنها. "أنت على يقين أن هذه السنوات الأخيرة كانت في حياتك إخفاقا. إخفاق هو الذي أقنعك بأنه ينبغي لك أن تبلو حياتك وتجربها في أعمق مجالاتها" (ص 10). لا نجد في الرواية أي مؤشر يعلل هذا الإخفاق أو يكشف عن بواعثه. لكنه بالاحتكام إلى الجو العام للرواية يتضح أن له علاقة بالجانب العاطفي. وهذا ما حفز الشخصية الرئيسة على الرحيل إلى باريس بغية تحرير الذات مما راكمته من ضروب الحرمان والكبت، وتتنفس هواء جديدا مفعما بمعاني الحياة الجديدة ومباهجها.
ب- علاقة التواصل:
وتقتضي هذه العلاقة وجود مرسل ومرسل إليه. ولا يمكن للمرسل أن يتواصل مع المرسل إليه إلا إذا كلف الذات بإدراك الموضوع القيمي بمقتضى ميثاق يجمع بين الطريق. وفي تساوق مع علاقات الرغبة يتضح أن ما حفز الشخصية الرئيسة على الرحيل عن بيروت هو الإخفاق الذي تعرضت له خلال السنوات الأخيرة. ولهذا وجدت في الذهاب إلى باريس ذريعة لإتمام دراستها العليا من جهة، وتضميد جراحها الناجمة عن الإخفاق من جهة أخرى.
ج- علاقة الصراع:
يمكن لهذه العلاقة أن تعيق العلاقتين السابقتين أي (علاقة الرغبة وعلاقة التواصل). وبقدر ما يوجد الطرف المعيق الذي يحول دون وصول الذات إلى الموضوع المبحوث عنه، يوجد طرف آخر مساعد يؤازرها ويساعدها على ذلك. فبمجرد أن أقلعت الباخرة التي تقل البطل إلى باريس، شعر بأن قوتين متعارضتين تتجاذبانه. قوة الشرق وقوة الغرب. ويرمز المنديل الذي تهاوى من بين أصابعه إلى قوة الشرق التي بدأت مساحتها تتراجع في قلبه لتكتسحها قوة الغرب بآمالها وأحلامها. حاول جاهدا أن ينخرط في الحياة الجديدة بما أوتي من حماس واندفاع لكنه لم يستطع ولم يكن قرار الزواج الذي اتخذه في آخر المطاف صادرا عن وعي وقناعة، وإنما إشفاقا على الوضع الذي آلت إليه جانين من جرائه. وفي ضوء ما سبق تتشخص البنية العالمية للرواية كالتالي:
المرسل: الإخفاق الذريع- الرغبة في تحضير الدكتوراه.
الموضوع: - الانخراط في الحياة الجديدة - إنجاز رسالة عن الشعر العربي الحديث.
المرسل إليه: باريس (الحي اللاتيني).
المساعد: كل الأصدقاء الذين ساعدوا الشخصية الرئيسة على مسايرة إيقاع الحياة الجديدة ومنهم "جانين مانترو".
الذات: الشخصية الرئيسة.
المعيق: الأم التي تحرص على التشبث بالتقاليد الشرقية.
من خلال هذه العلاقة يتبين الدور الذي نهضت به جانين مانترو لإدماج الشاب العربي في الحياة الجديدة. وهذا ما اقتضى منها أن تحبه كما تحب المرأة الرجل في الشرق. لكن اتضح لها فيما بعد أنه لم يكن في مستوى الآمال التي علقتها عليه. فبدلا من أن يمسك بيدها لينقذها من الأزمة التي حفتها من كل جانب، يدفعها إلى الهاوية إذ تتحطم حياتها، وتتلاشى آمالها ومطامحها وتجد نفسها "فتاة ضائعة"، تتقاذفها أمواج الحياة حيثما شاءت.
4- نفسية الشخصيات:
تتسم الشخصيات التي ساهمت في صنع الأحداث في "الحي اللاتيني" بنفسية تغلب عليها العواطف والأحاسيس التالية:
أ- الشخصية الرئيسة:
الكآبة:
منذ أن التحق هذا الشاب بباريس، وهو يبحث عن المرأة التي يحلم بها وتملأ خياله. مر خلال الأسابيع الأولى من تجارب قاسية لأنه لم يفلح في إيجاد فتاة غربية تبادله الشعور نفسه؛ كما أن تلقى ضربات موجعة جعلته يتخيل نفسه في صحراء أكثر ألما من صحراء الشرق. فكل ما يحدق به يشعره بالحزن و القتامة ويحرضه على العودة إلى وطنه أو الابتعاد إلى مكان قصي ليريح نفسه، ويزيل غشاوة الكآبة التي أصبحت عالقة بعينيه. ولم يسترجع جذوة الأمل إلا بعد أن تعرف على جانين مانترو. إذ رأى فيها الصورة التي كانت تبحث عنها روحه منذ زمن بعيد. ومن خلال هاته العلاقة استعاد توازنه في الحياة، ونجح في هدم جدار التهيب والحيطة الذي كان بينه وبين الأنثى. ولم تتضح له مكانتها في قلبه إلا بعد أن غادرته أيام معدودة لزيارة خالتها في مقاطعة "هوت سافوي" إذ ضاقت به باريس فازداد إحساسه بالعزلة والوحدانية.
الحنين:
كان بين الفينة والأخرى يتذكر أفراد أسرته وناهدة. ما أشد حاجته الآن إلى أن يجلس إلى إخوته فيستمع إلى أخيه الأكبر يسخر بمشاريعه الخيالية، ويسأل أخته عن رأيها في آخر قصيدة له، ويعين أخاه الصغير في ضبط قراءاته العربية. وبقدر ما كانت رسائل أمه تنهاه عن إقامة علاقات بالفتيات الغربيات، كانت تجعله يعيش المفارقة بين ما كان عليه في لبنان وما أصبح عليه في باريس. كان في ما مضى يعيش في عالم ضيق يعرف قيمته فيه، ويشرف على حدوده. أما الآن، فهو يوجد في عالم رحب كورقة جافة تذروها الرياح. لقد باعدت حياة جديدة بينه وبين ناهدة، وأصبح ينعتها بـ "الساذجة والمسكينة"، ويرى أن علاقته بها اعتراها الغموض والإبهام.
الخشية والانقياد:
لما أنبأته جانين بحملها، وجد نفسه منقادا لأوامر أمه خشية عدم إيذائها وإضجارها، ومصغيا إلى عتابها كما لو كان صوتا ينبعث من أعماق نفسيته. وهذا ما جعله يتخيل حبيبته مطرودة وشبه مطلقة ومشردة. بينما كان يفكر في الهروب من أمه التي استغلت ضعفه، توصل برسالة من صديقه الحميم فؤاد الذي حثه على العودة فورا إلى باريس طالبا منه أن يتحمل تبعات ما قام به دون التنصل من المسؤولية ومؤاخذا عليه اتخاذ موقف متخاذل لا يستسيغه الوطن من عربي شريف.
مراجعة الذات:
ظل يبحث عن جانين – التي اختفت عن الأنظار بعد إقدامها على الإجهاض – إلى أن اهتدى إلى ترددها على كهف "برغولا". انبهر لما رآها في حالة يرثى لها (نحيلة، عيناها متعبتان ومجهدتان، تنتعل حذاء باليا). ولما دعاها للجلوس إلى طاولته، ظلا صامتين ومطرقين "كأن كلا منهما مجرم وضحية" ص 220. وحاول أن يكفر عن أخطائه بمصارحتها بالزواج رغم أنه يعلم أنها أصبحت فتاة ضائعة وملوثة. لكنها فضلت الانسحاب من حياته محتفظة بحرقة حبه في قلبها، ومعاتبة إياه على عدم إنقاذها من السقوط في الهاوية في الوقت المناسب، لقد ارتكب أخطاء وآثاما في حقها لاعتقاده أن الحرية بلا ثمن. ولما أراد التكفير عنها، وجد نفسه مدعوا للانخراط في النضال القومي، وخدمة القضايا المصيرية في العالم العربي. وهذا ما تعبر عنه العبارة الأخيرة في الرواية، حين تسأل الأم ابنها: "هل انتهينا يا بني" فيجيبها "بل الآن نبدأ يا أمي". وكان فؤاد من بين الأصدقاء الذين جاؤوا لاستقباله. وهذا يبين أن الصديقين معا مصران على إحداث قطيعة مع وهم "الحياة الباريسية" وتكريس جهودهما لتوسيع دائرة النضال القومي في البلدان العربية جميعها.
بالنسبة لجنين مانترو:
الحب الصحيح:
تتميز بصفاء نفسها، ونقاء سريرتها، وهدوئها ووثوقها من نفسها. وقد وصفها فؤاد في الرسالة التي بعثها إلى صديقه بهذه العبارة: "وهي من تعرف حبا ونبلا وتفانيا". ص (277). حاولت أن تتقمص شخصية المرأة الشرقية التي لا تطلب مقابلا ولا تنتظر عروضا من زوجها. يكفيها أنها تخلص وتتفانى في حبها له. وهذا ما سارت عليه جنين من البداية إلى النهاية لاعتقادها أن حبيبها العربي زود حياتها بزاد من الحب لا يمكن أن ينضب يوما ما.
المأساة:
كانت جانين تأمل من علاقتها بالشاب العربي أن تتخلص نهائيا من خيبة أملها مع خطيبها السابق هنري، لكنها لم تجن منها إلا المأساة. لقد دفعها إلى موقف حرج حيث أصبحت، بعد أن خانتها قوتها الجسدية وخارت عزيمتها، تمنح جسدها لمن يضمن لها قوت يومها، وتسكن في غرفة ضيقة لا تتوفر على الحد الأدنى للعيش. "لم يكن فيها مغسلة، ولكن طست وإبريق في الركن الأيسر. ولم يكن فيها نافذة، ولكن فتحة مربعة في أعلى الجدار. ولم يكن سقفها مستقيما، وإنما هو منحرف هابط، كأنه امتداد السطح. غرفة خدم" ص (252). ورغم أنها توجد في قمة انهيارها ومأساتها، فهي فضلت عدم الزواج بالشاب العربي، وعيا منها بأن حياتها أصبحت تافهة، وبعدم قدرتها على مسايرة طموحاتها الجديدة. كما أنها لم تحقد عليه، بل ظلت وفية وممتنة له. وإن كان جسدها يقتات بخبز الناس، فإن قلبها لا يقتات إلا بحبه. "لا تذعرك هذه الكلمة أناديك بها، أنا الفتاة الضائعة التي تعرف. فإنها الكلمة الوحيدة التي تحتفظ في نفسي بالقداسة لأني لم أناد بها سواك أحدا. وعلى الرغم من الأوحال التي تلطخ وجودي، فإن في نفسي بعد موضعا لم يلحق به تلويث. ولئن كان جسدي مقصورا على أن يقتات بحب الناس، فإن قلبي لا يقتات إلا بحبك" ص (260).
بالنسبة لفؤاد:
الاتزان والجرأة:
يتسم فؤاد بالرصانة والاتزان، وبالجرأة في اتخاذ المواقف. وهو يحتكم إلى نزعته القومية في إبداء أي موقف سواء أتعلق بالأدب أو بالسياسة أو بأمور الحياة المعتادة. فهو يرى أن الأدباء العرب لم يتطرقوا إلى المشكلات الاجتماعية على نحو نظرائهم في الغرب (إثارة الخيانة الزوجية). ويدفع في اتجاه توحيد العرب وتحسيسهم بمقوماتهم الذاتية والتاريخية، ويؤاخذ على البطل عدم اتخاذ موقف يليق بنبل عواطف جانين وتفانيها في حبه. ويقرر التخلي عن حبيبته فرنسواز لمساندتها سياسة العنف التي كانت تنهجها فرنسا في شمال إفريقيا.
بالنسبة لسامي وكامل وصبحي ونصري:
الاستهتار:
لا يرى هؤلاء الطلبة في الغرب إلا الجانب المتعلق بالجنس والتسلية. ويقرون بأن فضله عليهم كامن في كونه أسعفهم على تفجير مكبوتاتهم، وفتح لهم آفاقا رحبة للاستمتاع بمباهج الحياة الجديدة. وهكذا أصبح يقترن لديهم بالمرح والبهجة والتحرر والانطلاق والصخب. في حين أن حياتهم الماضية كانت كئيبة ورتيبة ة وموسومة بميسم العبودية والتأخر. ولم تكن هذه الشخصيات منشغلة بما تزخر به باريس من مسارح ودور السينما ومعارض تشكيلية وما تتمتع به من سمعة فنية وثقافية. وهذا ما حاولت الشخصية الرئيسة أن تنفذ إليه لفهم الأبعاد الأخرى لمدينة باريس. ولكنها كانت تجد نفسها أحيانا مضطرة إلى الاستهتار ومكرهة عليه تعويضا عما أصابها من غبن وانكسار.
بالنسبة للأم والفتاة الغربية:
الخوف من الآخر:
تخاف فرنسواز، على نحو باقي الفتيات الغربيات من الشاب الشرقي لكون المجتمع الذي تعيش فيه قد رسخ في ذهنها صورة سلبية عنه. إنه إنسان صحراوي ومتخلف وتقليدي ومتوحش. وهذا ما جعل الفتاة الفرنسية تصدر حكما جاهزا بمجرد ما أن تناهت إلى سمعها ضحكة مجلجلة في مقهى الطلاب: "أي متوحش هذا، لا بد أنه عربي" ص (80). وبالمقابل تتوجس الأم من زواج ابنها بالفتيات الغربيات لكونهن مسيحيات متحررات وبنات الحرام. "أعود فأحذرك يا بني من نساء باريس. وقاك الله شر بنات الحرام". ص (72).
بالنسبة لعدنان:
الازدواجية:
تتميز شخصية عدنان بالازدواجية. فهو يتوخى إحداث قطيعة نفسية مع موطنه الأصلي من جهة، ولا تخلو تصرفاته من عصبية دينية من جهة أخرى. ولا يتباهى أمام زملائه بحفاظه على العادات والشعائر الدينية إلا لأنه يلتمس الفائدة الصحية. "لأن اللياقة تقتضي المسايرة". ص (169).
3- رؤيتها للعالم:
الرؤية القومية:
تسعى هذه الرؤية إلى مساعدة الطلبة العرب في باريس على إيجاد أنفسهم في عالم يقصيهم من حساباته وإشعارهم بمقوماتهم الحضارية واللغوية والدينية، وحفزهم على النضال القومي لتوحيد الأمة العربية والنهوض بها اجتماعيا وثقافيا. ولن يتحقق المبتغى إلا بعودة الطلبة إلى بلدانهم، والانخراط في الحزب الذي يتبنى المبادئ القومية. وقد عمل أصحاب هذه الرؤية (وفي مقدمتهم البطل وصديقه فؤاد) على تكوين رابطة الطلاب لجمع شمل الطلبة العرب في باريس وتأطيرهم بالمحاضرات الاجتماعية والقومية.
الرؤية الاستعمارية:
تتعامل هذه الرؤية مع العرب كما لو كانوا متخلفين ومتوحشين. وترد على مطالبتهم باستقلال بلدانهم بالعنف والإرهاب. وتدعم فرنسواز سياسة بلادها في شمال إفرقيا. في حين تعارضها جانين بدعوى أنها لا تنسجم مع المبادئ التي رسخها التاريخ الفرنسي في عقول الناشئة: "ولم أشعر يا عزيزي بأي إحساس غريب يفصلني عن أصدقائي. إنني مثلهم أخجل مما تأتيه حكوماتنا من أعمال لا تقرها المبادئ التي تعلمناها من تاريخنا في الحرية والديمقراطية" ص (206). وتنظر الرؤية الاستعمارية إلى المهاجرين المغاربيين، الذين يعيشون وضعا اجتماعيا مزريا، كما لو كانوا مواطنين من الدرجة الثانية، لا يستحقون أن ينعموا بالحرية والاستقلال. "وقد بات معلوما... أن السلطات تشجع هذه الأحياء، وتدع لها طابع الحياة المستقلة لتقيم الدليل على أن هؤلاء المقيمين في باريس، لا يستحق مواطنوهم أن ينعموا بالحرية والاستقلال. إنه الاستعمار، أيتها الآنسة فرنسواز، يتوسل بكل وسيلة ليظل ثابت الأقدام في بلادنا" ص (168).
رؤية المستبد العادل:
ويتبنى عدنان هذه الرؤية التي كانت قد طرحت كشعار في بعض البلدان العربية فيما بين الحربيين العالميتين، واستعملت في مواجهة الاختيار الحزبي والبرلماني وكانت دعوة إلى التماس الحل في تركيز السلطة في قيادة "مستبدة عادلة" يكون على يديها خلاص الشعب ورقيه. ولهذا نجد عدنان يساند الانقلاب العسكري في سوريا مؤملا أن يفرز شخصية ملهمة وفذة تجد سندها في التراث العربي الإسلامي، وتذكر العرب بأمجادهم وبطولاتهم (وفي هذا الصدد تستحضر شخصية عمر بن الخطاب). وقد عرف العصر الأوروبي الحديث هذه الفكرة منذ القرن التاسع عشر تحت تسمية "المستبد المستنير". ويقصد بها إحداث التقدم من فوق عبر اختصار المراحل من طرف سلطان فردي قوي ولكنه راشد.
الرؤية الوجودية:
وتزعم شريحة عريضة من الفتيان والفتيات الذين يترددون على كهف "برغولا" بأنهم من الوجوديين. وتعني الوجودية بالنسبة لهم أن يعيش الإنسان هكذا عيشة متحررة من كل شيء. وموازاة مع هذه الرؤيات الأربع التي تتفاعل في ما بينها داخل الرواية، نجد شريحة عريضة من الطلاب العرب يقضون أوقاتهم في التسلية وينساقون وراء أهوائهم.
خلاصة عامة:
هكذا إذن، نستنتج أن الروائي سهيل إدريس قد وظف مجموعة من الشخصيات التي تتقابل فضائيا وحضوريا (الشرق # الغرب)، وجنسيا (الذكورة العربية # الأنوثة الغربية)، ولونيا (الأسمر العربي # الغربية الشقراء)، لرصد التفاوت الحضاري والاختلاف الوجودي بين البيئة العربية المكبلة بأغلال الحرمان والمنع والكبت والشذوذ والعقد والخلفيات المسبقة والعادات والتقاليد المحافظة الموبوءة والبيئة الغربية التي تتسم بالتحرر والانعتاق والعلم والإقبال على الحياة ولو في ثوبها المادي اللا أخلاقي. وإذا كانت مجموعة من الروايات العربية روايات فضاء ومكان مثل: روايات نجيب محفوظ (زقاق المدق) وعبد الرحمن الشرقاوي (الأرض).. الخ، فإن رواية سهيل إدريس على الرغم من عنوانها المكاني فهي رواية الشخصية لاسيما الشخصية النموذجية (بطل الحي اللاتيني) التي تعيش مصيرا وجوديا من خلال ثنائية الحرية والمسؤولية. الحرية في إثبات وجودها والارتواء من لذات الحياة والاستماع بمباهج الدنيا ومعاقرة الخمرة والإشباع الجنسي، والمسؤولية التي تكمن في الثورة على الحرمان والتقاليد البالية والعادات المستنبتة والرغبة في النضال القومي والوطني لتحرير الإنسان العربي من موروثات التخلف وقيود الكبت والإحجام والانطواء النفسي حتى تصبح الذات العربية قادرة على الإبداع والابتكار في مجتمع يقدس المرأة ويحررها إلى جانب الرجل، حتى تساهم في العطاء والبناء الحضاري على غرار المرأة الغربية. لقد خلق الكاتب شخصية مركزية وهي البطل واستتبعها بشخصيات ثانوية تابعة لها مثل صبحي وعدنان ربيع وفؤاد وأحمد. وتتسم هذه الشخصية بالفردية والتشبع بالفكر الوجودي الذي اكتسبته في جامعة السوربون، لا سيما أن هذه الفترة كانت فترة الفلسفة الوجودية التي دعا إليها كل من سارتر وسيمون دبوفوار وألبير كامي. إذ قال سارتر: إن الإنسان في هذه الحياة كممثل يؤدي دوره ثم ينتهي وجوديا، لذلك دعا إلى حياة العبث واللاجدوى تحت شعار: "افعل ما تشاء، حيث تشاء، ومتى تشاء: (حرية الفعل، حرية المكان، حرية الزمان). كما أن فلسفة سارتر تنبني على مرتكزين أساسيين: الحرية والمسؤولية.
ويبدو أن شخصية بطل "الحي اللاتيني" شخصية تعبر عن المؤلف إلى حد بعيد مما من شأنه أن يعطي لهذه الرواية بعدا سيرذاتيا، لأن الكاتب يرسم هذه الشخصية حسب قناعاته وأفكاره ومبادئه التي يؤمن بها حتى تتبدى لنا شخصية نموذجية ومثالية بالمقارنة مع شخصيات عدنان المتعصب دينيا وصبحي المستهتر أخلاقيا وربيع التونسي المتطرف في مواقفه تجاه فرنسا وبطشها الاستعماري. ويجمع فؤاد بين هموم المرأة الجنسية والهموم الثقافية الفكرية والنضالية. بينما يظل بطل "الحي اللاتيني" بطلا معتدلا في أفكاره ووطنيته ومواقفه تجاه الوطن والأمة والآخر، لا يتشنج ولا يتعصب كالآخرين، وفلسفته الوجودية متوازنة. وهذا ما يشير إليه كذلك الدكتور إبراهيم السعافين بقوله: "إن الشخصية المركزية هي الفكرة المثالية والشخصيات الأخرى إما عوامل كشف عن الشخصية المركزية وتعديل سلوكها وتسويغ له، وإما تبع لها تدور في فلكها، وتنطق باسمها، فوق أنها تلقي الضوء عليها، وتكشف عن أبعادها. وشخصية بطل "الحي اللاتيني" قد اختارت النوع الأول من الشخصيات الثانوية حيث تبدو شخصيته قائمة على الاعتدال، فهو معتدل في فكره ومعتقده، معتدل في نزواته، معتدل في وطنيته، وحتى يلقي المؤلف الضوء على هذه القضايا، لجأ إلى توظيف الشخصيات الثانوية التي تعد نماذج ابتدعها فكر المؤلف لتحدد نموذج الشخصية المركزية. وأما ما نسمعه على ألسنة جانين أو فرنسواز أو غيرهما فإنه محاولة لكشف بعد جديد من شخصية البطل، في الوقت الذي لا نحس فيه بوجود هذه الشخصيات في الواقع أو نكاد"( ). أضف إلى ذلك أنه حتى على مستوى الشخصيات النسوية نجد تقابلا بينها: فجانين مانترو عشيقة البطل هي شخصية نموذجية تدافع عن العرب وتقدر الحب والمسؤولية، وفيه وصادقة في عواطفها ومبادئها، تضحي بكل ما لديها من أجل الآخرين. أما فرنسواز حبيبة فؤاد فكانت مثقفة وواعية وذوقها الفني رفيع، يبد أنها كانت عنصرية تدافع عن فرنسا الاستعمارية. أما مارغاريت والأخريات كامرأة الرصيف، وفتاة السينما، فهي نماذج وجودية مستهترة وعبثية غير صادقة ووفية. فواحدة تدعي أنها شاعرة، والأخرى تسرق نقودا من البطل وأخرى تعد ولا تفي. أما ناهدة في الشرق فهي نموذج للمرأة العربية الخائفة على شرفها وعفتها وجسدها ترتعد من وجود الرجل وتعطي ألف حساب للمعتقدات والأنظمة الاجتماعية الموروثة حتى تحافظ على نفسها ووجودها بين أسرتها ومجتمعها.
هكذا و نحن ننفض أيدينا من هذا البحث المتواضع، والذي قاربنا من خلاله مفهوم "الشخصية" كمكون مركزي من مكونات الخطاب الروائي، نخرج بالخلاصات التالية:
- ما زال تدريس مادة المؤلفات في التعليم الثانوي المغربي يثير إشكاليات عويصة تتمثل في كيفية انتقاء المؤلفات واختيارها، والطرائق التي ينبغي تمثلها في العملية التعليمية- التعلمية، وكيف ينبغي تدريس العمل الإبداعي: هل بتحليله في كليته وشموليته؟ أم بتقسيمه إلى أجزاء تدرس بالتدريج؟ وكيف يمكن لنا تقويم عمل التلميذ تقويما موضوعيا أثناء التعامل مع مكون المؤلفات؟ وما هي المنهجية المتبعة في مقاربة المؤلفات الأدبية؟ هل سنعتمد على المقاربات الديداكتيكية والبيداغوجية أم المقاربات النقدية الأكاديمية؟ وهل طريقة العروض صالحة لتهيئة درس المؤلفات أم لا بد من التدرج في شرح المفاهيم والمصطلحات عن طريق التمارين الفصلية، مع تحفيز التلاميذ على تشريح العمل الإبداعي وتفكيكه خطوة خطوة؟!
- الشخصية الروائية مقولة نقدية مركزية تقاطعت حولها الدراسات والمقاربات النقدية والنظرية على امتداد فترات تاريخية دون أن تستطيع تقديم تعريف جامع ومانع لها.
- قام سهيل إدريس في روايته "الحي اللاتيني" بعقد مقارنة بين الشرق والغرب: الشرق بعاداته ودياناته ومعطياته الروحية، والغرب بمعطياته المادية والعلمية والتكنولوجية. وقد نجح في ذلك نجاحا كبيرا. فكل مكون من مكونات روايته يتماشى والموضوع الذي يعالجه هذا الأخير. ولا عجب في ذلك إذا علمنا أن "كل شيء في الرواية له دلالة"( ). ويتضح ذلك، أكثر ما يتضح، على مستوى بنائه ورسمه للشخصيات: نفسيا واجتماعيا ودينيا ولونيا وفضائيا وفكريا، الخ؛ وهو الشيء الذي يجعل من روايته "رواية شخصية" إلى جانب كونها تندرج ضمن ما يعرف في التقاليد الأدبية بـ "الرواية الحضارية".
شكرا على كل شيء
ReplyDeleteشكرااااا
ReplyDelete