علاقة الإسلام بالديانات الأخرى
- شاء الله عز وجل أن تكون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم خاتمة الرسالات السماوية، والتي اختصت عرفا بمدلول كلمة الإسلام، كما أن كلمة "اليهودية" أو"الموسوية" تخص شريعة موسى عليه السلام، وكلمة "النصرانية" أو"المسيحية" تخص شريعة عيسى عليه السلام.
- ولا شك أن هذه الرسالة الخاتمة جاءت دعوة إنسانية عالمية، لا تخاطب قوماً بأعينهم، ولا جنساً بذاته: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "سورة البقرة، " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً" سورة الأعراف، " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا" سورة سبأ، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلي عموم بعثته وعالمية دعوته فقال: " أعطيت خمساً لم يعطهن أحدا قبلي: كان كل نبي يبعث إلي قومه خاصة، وبعثت إلي كل أحمر وأسود".
- والذى لا شك فيه أيضاً أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد أرسل من عند الله بدين بلغ ذروة الكمال، الذى لا كمال بعده، وتوجه الخطاب فيه للعالمين كافة، والنتيجة المنطقية اللازمة لهذا الكمال أن تتقطع صلة الإنسانية عن سائر الرسالات والنبوات السابقة فى طاعتها وأتباعها، مع عدم إغفال الإيمان بأصولها المنزلة، لا بما آلت إليه بعد التحريف على يد الأتباع، على اعتبار أن الإسلام بمعناه العام هو دين الأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام.
- والقرآن الكريم شاهد على ما فى الكتب السماوية المنزله قبله، يشهد لأصولها المنزلة بالصدق ، ويشهد عليها وعلى أصحابها بما وقعوا فيه من نسيان عظيم وإضاعته، وتحريف كثير مما بقي وتأويله.
- وأذا كان الإسلام بمعناه العام، هو دين الأنبياء جميعا عليهم الصلاة والسلام، فهذا يعني أنه لا مجال للتساؤل عن العلاقة بين الإسلام وبين سائر الأديان السماوية الأخرى، والسؤال الذى يفرض نفسه: ما هي العلاقة بين الإسلام بمعناه الخاص وهو الدين الذى أنزله الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم وبين الأديان السماوية الأخري؟!.
- والأجابة عن هذا السؤال تشتمل على شقين:
1- الشق الأول: أن الشريعة الإسلامية، والشرائع السماوية السابقة عليها، وهي فى صورتها الأولى لم تبعد عن منابعها، ولم يتغير فيها شئ بفعل الزمان ولا بيد الإنسان، فكل رسول يرسل ، وكل كتاب ينزل، يأتي مصدقاً ومؤكداً لما قبله، فالإنجيل مصدق ومؤيد للتوراة، والقرآن مصدق ومؤيد للإنجيل والتوراة، ولكل ما بين يديه من الكتاب، يقول د. محمد عبد الله دراز رحمه الله: " جاء القرآن فغير الله تعالى فيه بعض الأحكام التي جاءت في التوارة والإنجيل، وقوفاً بها عند وقتها المناسب، وأجلها المقدر لها فى علم الله سبحانه وما كان فيها من الأحكام صحيحاً موافقاً لقواعد السياسة الدينية، لا يغيره، بل يدعو إليه ويحث عليه، وما كان سقيما دخله التحريف، فإنه يغيره بقدر الحاجة، وما كان حرياً أن يزداد فإنه يزيده على ما كان فى الشرائع السابقة.
- وعلي هذا فإن الإسلام قد إعترف بالشرائع الأخري السماوية، كما نزلت على الرسل السابقين، شرائع وديانات قامت على وحدة الذات والصفات الألوهية، وتبشر كتبها بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتطالب الذين حضروا دعوته من بعدها أن يؤمنوا بالإسلام.
2- الشق الثاني: أن الشرائع السماوية السابقة على الإسلام، بعد أن طال عليها الأمد، نالها من التغيير والتحريف والكتمان والتبديل ما كان كفيلا بتحويلها عن أصلها، من ديانة توحيد إلي ديانات وثنية فى معظم ما بقي منها، بل قل في كلها...
- والقران حارس وأمين ومهيمن على هذه الديانة السماوية، وهذه صفة أخرى تضاف إلي صفة إعتراف القرآن بهذه الديانات، إذا لم يعتريها تغيير أو كتمان، ومن ثم إسقاط مبدأ الإيمان عن الذى لا يؤمن بهذه الشرائع، بإعتبارها ديانات توحيد تؤمن بالله واليوم الآخر، لأن من شأن القرآن الا يكتفي بتأييد ما فى هذه الديانات من صدق وخير ، بل عليه فوق ذلك أن يحميها من الدخيل، الذى عساه أن يضاف إليها بغير حق، وأن يبرز ما تمس إليه من الحقائق التي عساها ايضا أن تكون قد اخفيت منها.
- وخلاصة ما سبق نوجزها فيما يلي:
أولاً: وحدة المصدر للأحكام التكليفية فى الأديان السماوية، قائمة قيام وحدة الهدف تماما، وحتي إن اختلفت وسائل المعالجة فكلها من عند الله سبحانه وتعالى ، كما إن هدفها الأخذ بالخلق الي طريق الرشد، وتحرير العقل وتثبيت التوحيد.
ثانياً: إن شرع من قبلنا شرع لنا، والمراد بشرع من قبلنا ما نقل إلينا من أحكام تلك الشرائع،التي كانوا مكلفين بها على إنها شرع الله عز وجل لهم، وما بينه لهم رسلهم عليهم الصلاة والسلام، مثل تحريم الزني والسرقة، والقتل، والكفر، فكل نبى دعي لحرمه ذلك وما شاكله، وكذلك نبينا عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
- ولا خلاف فى أن الشريعة الإسلامية، نسخت جميع الشرائع السابقة، على وجه الإجمال، كما أنه لا خلاف فى أنها لم تنسخ جميع ما جاء فى تلك الشرائع، على وجه التفصيل، فالزني وما يتعلق به من توابع محرم فى تلك الشرائع السماوية، وكذلك السرقة والقتل والكفر، كذلك لا خلاف فى أن ما نقل إلينا من شرائع من قبلنا، فى كتب أصحاب تلك الشرائع، أو على ألسنة أتباعها، ليس بحجة علينا، لأن هذا النقل فاقد لمصداقيته، لما وقع فى كتبهم من تغيير وتحريف قال تعالى: "وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" سورة آل عمران
0 Comments :
Post a Comment