العولمة وتأثيراتها على الدول
النامية
تباينت
الآراء بشأن المؤيد بشدة لمبدأ العولمة (وأكثرهم من الدول الصناعية المتطورة) وبين
المعارض (وأكثرهم من الدول الفقيرة). وقبل أن أبين وجهات النظر المختلفة لابد أن
أتطرق إلى تعريف العولمة. فالعولمة هي سمة من سمات النظام العالمي الجديد والذي
يركز جلّ اهتمامه في الوصول بالاقتصاد إلى مرحلة العمل بآليات السوق في ظل النظام
الاقتصادي الحر على مستوى العالم، إذ ينظر المؤيدون إلى تسهيل حركة انتقال
المعلومات والسلع ورؤوس الأموال والتكنولوجيا والعمالة الذي يؤدي إلى كثير من
المنفعة بين الدول، أما المعارضون فيرون أنها تقتصر على الأقوياء فقط والمستفيد
الوحيد هي الدول المتقدمة، أما الدول الفقيرة فستزداد فقرا نتيجة هذا العبء الثقيل
في ظل تردي أوضاعها الاقتصادية الصعبة، وبذلك تفقد الدول النامية السيطرة على مقدراتها
الاقتصادية والثقافية والبشرية.
جاءت العولمة
في ظل ظروف دولية واقتصادية واجتماعية ساهمت في صوغها عند انهيار الاتحاد
السوفياتي وتفكك المنظومة الاشتراكية، كل ذلك مهد الطريق لنظام عالمي جديد لأنه في
تلك الحقبة لم يكن من الممكن تجاوز الحدود السياسية في ظل الحرب الباردة، وأيضا
الدول القومية التي هدفها تعزيز الثقافة القومية ستصطدم هي الأخرى بثقافة العولمة.
والعامل المؤثر هو ثورة الاتصالات وهو روح عصر العولمة، فالحوسبة المتقدمة وتسارع
الاتصالات كانا من شروط هذا التطور، والأهم من هذا وذاك أن العولمة جاءت بعد
الانتصار الباهر للنظام الرأسمالي.
إن بدء
العولمة كان في المجال الاقتصادي، إذ استطاعت الشركات المتعددة الجنسيات أن تعولم
الإنتاج، ما أدى إلى إعطاء الاحتكارات السمة العالمية بدلا من السمة القومية، وهذا
التطور النوعي في الاقتصاد صاحبه تغيير في البنية الفوقية الثقافية والسياسية
والاجتماعية، إذ أصبحت الثقافة الغربية التي تخدم العولمة الاقتصادية هي التي يجري
تعميمها عندما تحكم الغرب في وسائل الإعلام الذي مكنه من تعميم قيمه وسلكه
ومفاهيمه، وهذا هو المقياس الذي كانت تقيس به تطور وتأخر الشعوب الأخرى.
لذلك أرى أن
العولمة هي أيديولوجيا تعكس النظام الجديد وتخدمه وتطرح نفسها على أنها نظام فوق الأيديولوجية،
بمعنى أنها لا تتحدد في مصالح طبقة أو أمة أو دين أو جنس. من هنا نرى أن دولا
قليلة استفادت من هذا النظام الجديد، وهي الدول الصناعية التي اتخذت الدول النامية
لتسويق منتجاتها ولم يتم توزيع ثروات وفوائد العولمة بما يحقق التكامل الدولي
المطلوب. لذلك يجب على الدول النامية مواجهة بعض الآثار السلبية للعولمة بالتدريج
في انفتاح الأسواق الوطنية أمام الأسواق العالمية، أي التحرر نحو سوق عالمي بحذر
وعدم المضاربات في البورصات، ما قد يفتك بالاقتصاد الوطني للدولة، ومواجهة أساليب
العولمة الثقافية والعمل على أن يحقق الاستثمار الأجنبي أعلى قيمة مضافة للدولة مع
ضرورة تفضيل العمالة الوطنية وتطويرها وتنمية مهاراتها وعدم قبول استخدام العمالة الأجنبية
الرخيصة التي تؤدي إلى انتشار البطالة.
وكذلك لابد من
اللمسة الإنسانية في التعامل مع البشر وعدم التعامل مع المجهول في ظل الإنترنت،
ووضع المعايير القانونية للتجارة الإلكترونية، وتشجيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة
وخصوصا التي تعمل في مجال الخدمات المالية مثل التأمين والخدمات المصرفية وتجارة
الأوراق المالية وعدم السماح للشركات العالمية بأن تستفرد بها.
إن تأثيرات
العولمة على الواقع العربي تكمن في أن تفرض شروطها على الأمة العربية ليس بمنظارها
بل بمنظار الآخرين، أي بمنظار الاستعمار من دون أن يكون للمصالح العربية أي تأثير،
إذ انها لم تطرح نمطا للتعاطي معها سواء كان ذلك النمط سلبا أو إيجابيا، وتلجأ إلى
احتمالات أو شعارات ثورية قد تفتقد الموضوعية. لذلك، تجب إقامة مجموعة عربية
متضامنة تنسق خططها التنموية وسياستها الاقتصادية. وعلى العرب أن يقوموا بدراسة السبل
للتعاطي مع هذه الظاهرة والتركيز على الظروف الذاتية أكثر من سمات هذه الظاهرة
ويجب ألا يقوموا فقط بتوصيف الظاهرة والتنديد بأخطارها بل يجب أن يساهموا في إيجاد
رؤى علمية وواقعية تأخذ في الاعتبار المصالح العربية.
حسين سلمان
الشويخ
صحيفة الوسط
البحرينية - العدد 238 - الجمعة 02 مايو 2003م الموافق 29 صفر 1424هـ
0 Comments :
Post a Comment